- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (011)سورة هود
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علَّمْتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا، وانْفعنا بِما علَّمتنا، وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، وصلنا في الدرس الماضي في سورة هود إلى قوله تعالى:
﴿
وَأَقِمْ الصَّلَاةَ
في الإنسان نشاط :
معنى ذلك أنَّ في الإنسان نشاطاً، وقوَّةً مُحرِّكة، الله سبحانه وتعالى أوْدَعَ في الإنسان شَهواتٍ عِدَّة، وهذه الشَّهوات تَجعلهُ ينْدَفِعُ إلى تحقيقها الشَّهوات طريقهُ إلى الجنّة، لولا أنّ الله سبحانه وتعالى أوْدَعَ في نفْسِ كُلٍ مِنَّا شَهْوةً لما كانت جنَةٌ، ولما كانت نار، فالإنسان ينْدَفِعُ إلى تحقيق شَهواته، ليس سُكونِيّاً ولكنه متحرِّك
وَأَقِمْ الصَّلَاةَ
معنى إقامةِ الصلاةِ :
لا تستطيع أن تزور فُلاناً إلا إذا كانت لك سابقة إحْسانٍ إليه، إن كانت لك سابقة إحسانٍ إليه تستطيع أن تطرق بابه، وأن تدخل عليه في أيّ وقت، كذلك إن كان لك عملٌ طيِّب، واستقامةٌ تامَّة، وإن كان لك قَولٌ حسَن، وإن كان الناس يُحِبُّونك فقد اقْتربْتَ من إقامة الصَّلاة، إيَّاك أن ترْكَنَ إلى الذين ظلموا، فأهل الدنيا يتَّصلون مع أهل الدنيا وكبرائِها وأهل الآخرة يتَّصِلون بِرَبِّهم.
النَّفْس كما أردْتُ أن أبدأ الدَرس فيها حركة، وبِمُصطلح آخر هي ديناميكِيَّة، هناك حركة انْدِفاع نحو تَحقيق تِلْك المُيول التي زرعها الله فيها، فإمَّا أن تتَّصِلَ بأهل الدنيا، وتتملَّق لهم، وتُقَدّم لهم خدماتٍ جُلَّة، كي يقبلوها ويرفعوها، ويمْنحونها مِما عندهم، وإما أنْ تتَّصِلَ بالله ربّ العالمين فيَمْنحُها سعادةً في الدنيا، وسعادةً لا تنقضي في الآخرة
أنت مؤهَّلٌ أن تتَّصِلَ بالله عز وجل،
إيَّاك أن تطْمحَ إلى ما عندهم، لا تُقِم علاقةً معهم، أَقِم هذه العلاقة معي، واتَّصِل بالله عز وجل، تقرَّب إلى الله عز وجل، وإلى وُدِّه تعالى، اخْدُم عِبادهُ، وعامِلْهُ، وأقْرِضْهُ قرضاً حسناً، وأكْرِم عبادهُ من أجله، اِنْصَحهم من أجله، كُنْ معهم مستقيماً من أجله، أَحْسِن إليهم من أجله تعالى، من أجل هذه الصِّلة، ومن أجل أن تُقيم هذه الصِلة
معنى : طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ
المعنى الأول :
العلماء في هذه الآية على مذاهب شتَّى، فطَرفا النَّهار قال بعضهم: صلاة الفجر، وصلاة الظهر والعصر، هذه الأوقات الثلاثة طرفا النَّهار، وزلفاً من الليل هما صلاة المغرب والعشاء، ومعنى زُلفاً الساعات المتقاربة من بعضها
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
المعنى الثاني :
وبعضهم قال: طرفي النَّهار صلاة الفجر وصلاة العصر.
المعنى الثالث :
على كُلٍّ العلماء أجْمَعوا على أنَّ هذه الآية تنْطَوي فيها الصَّلوات الخمس، الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
1 ـ الصلوات كفّارات للذنوب :
وهذه الآية لها معنىً دقيق، فالصَّلوات هي الحسنات، والنَّفْس وما فيها من أمراض هي السيِّئات، فإذا جاءت الحسنات محت السيّئات، والصلاة نورٌ ربَّاني تُطَهّر القلب البشري من كلّ دَنس ورجس، والصَّلوات الخمس يمْحو الله بِهِنّ الخطايا
(( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ ؟ قَالُوا : لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ : فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ))
2 ـ الأخلاق الحسنة منبعها الاتصال بالله :
3 ـ النفس الدنيئة بعيدة عن الله :
أيْ النَّفس بِبُعْدها عن الله عز وجل قد تتحمَّل السيّئات، وقد تُحِبّ ذاتها وقد تُصْبحُ أنانيّةً، وقد تصبحُ جبانةً، وحريصةً، وقد ترضى أن تُقيم غِناها على فقْر الآخرين، ومجدها على أنقاض الآخرين، هذا كلّه في حالات البُعْد عن الله عز وجل، ولكن حالة القُرْب تعني مكارِم الأخلاق، فإنَّ الحسنات يُذْهِبْن السيئات، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ))
4 ـ لابد من إتباع السيئة بالحسنة :
أحياناً يقعُ المؤمن في مخالفة فَتَزِلَّ قدمهُ، قد يسْبقُه لِسانه، وقد يثور ثورةً نفْسِيَّة، وقد يغْضب، وينطق بِكَلمةٍ قاسيَة، وقد تخونهُ عَيْنُه فتَسْترق النَّظَر إلى امرأة، وقد يقعُ في بعض المخالفات، هذه سيِّئات، ما الحلّ؟ إنَّ الحسناتِ يذهبن السيّئات! أي بادِرْ إلى عملٍ طيِّب، وبادِر إلى صدقةٍ وبادِر إلى خِدْمة، وإلى صدقةٍ تُطفئ بها غضب الربّ، لأن صدقة السّر تُطفئ غضب الربّ، بادروا إلى الصَّدَقة فإنَّ البلاء لا يتخطَّاها، الله سبحانه وتعالى يُسْترضى، لأنَّه رحيم، فمَن بدرَت منه بادرةٌ سيئة، ووقعَ في غفلةٍ، من خانتْهُ عَيْنُه أو أذُنه، ومن سبقهُ لِسانُه إلى كلمة قاسِيَة، هذه كلّها سيئات
(( تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ ))
(( تَهَادَوْا تَحَابُّوا ))
فإذا نشِبَ بينك وبين زوْجَتِكَ خِلاف، وقَسَوْتَ عليها بالكلام، فالقضِيَّة لها حلٌّ طيِّب، بادِرْ وقَدِّم لها هَدِيَّةً تُطَيِب بها قلبَها، إذا بَدَرَتْ منك كلمةٌ إلى صديق فَنَفَرَ منك، إنَّ الحسنات يُذْهبْن السيِّئات، إذا وقعْت في ذنبٍ مع الله سبحانه وتعالى، كنت في مجلسٍ وتحدَّث الحضور عن إنسانٍ وشاركْتهم في الحديث، وقَعْتَ في الغيبة وأنت لا تشعر، عُدْتَ إلى البيت فاشْتعلَ قلبُكَ فرقاً من الله عز وجل، كيف سَمَحْتَ لنفسك للاستماع إلى الغيبة؟ وكيف سمَحْتَ لِنَفْسِكَ أن تُسْهِم في هذه الغَيبة؟ إنَّ الحسنات يُذْهبْن السيِّئات، القضِيَّة محلولة، الله سبحانه وتعالى يُسْترضى، إلا إذا فَهِمتَ من هذا الكلام أنَّه إذا هممْتَ بِمَعْصِيَة تقول: أنا أعرف كيف أسْترضي الله بعدها!! لا، إن كنتَ كذلك فلن يرْضى الله عنك، إن لم تقصِد، إن سبقَكَ لِسانك، وخانتْكَ عينُك، إن تألَّمْت لذَنْبٍ لم تنْوِ أن تفعله، في مثل هذه الحالات الله سبحانه وتعالى يُسْترضى، يُسْترضى بِصَدقة، يُسْترضى بِخِدمة، يُسْترضى بِعَملٍ صالح، إنّ الحسنات يُذهبن السيئات، هذا المعنى الثاني، والمعنى الأوَّل الحسناتُ هنّ الصَّلوات الخمس، فإذا الله تعالى يمْحو بِهِنّ الخطايا، فإذا أحْكمْت صِلَتك بالله عز وجل فإنّ هذا القلب يطْهُر، ويصبحُ سليماً من كلّ عَيب، طاهراً من كلّ ذنب: يا طاهراً من الذُّنوب، يا هادياً إلى علاَّم الغيوب.
﴿ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ(114)وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) ﴾
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
1 ـ لابد من الصبر على الطاعة :
لكنّك إذا حاوَلْتَ أنْ تُصَلِّي، ولم تمْلك هذه الصلاة التي تحدَّث الله عنها لا تكن لجوجاً، اِصْبِر:
أخْلِق بِذي الصَبْر أن يحظى بحاجته ومُدْمِن القَرع للأبواب أن يلِجَا
***
من علامات الصادق أنَه يطرق باب الله عز وجل، ويطرق إلى أن يُفْتَحَ الباب، لا يكلُّ ولا يمَلّ، ولا يتحوَّل ولا يتَمَلْمَل، لأنَّه صادق، ولو أنَّه كاذب طَرق الباب لم يفْتَح له فتَحَوَّل عنه، هذه صِفات الكاذبين، واصْبِر!
وقفْتَ لِتُصَلِّي ولم تشْعر بِشَيء، فهل معنى ذلك أنْ تَدَعَ الصَّلاة؟ لا، واصْبِرْ، لعلّها تصلح في صلاةٍ قادمة، لعلّها تحدث هذه الصِّلة في وقتٍ آخر
﴿
أحياناً ربنا سبحانه وتعالى يُعَطِّش هذه النَّفْس للقُرْب منه، تعطيشُها هو تهيّئ لإقبالها
2 ـ لا يضيع عند الله شيء :
أيُّ جُهْدٍ مادِيٍّ، عضَلِيٍّ، نقْدِيٍّ، ماليٍ، عِلْمِيٍّ، اجْتِماعِيّ، تبْذُلُه من أجل التقرّب إلى الله عز وجل فالله سبحانه وتعالى لا يُضَيِّعُهُ عليك
الآن ننتقل إلى مقْطعٍ آخر مِحْورُهُ، الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر
﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ(116) ﴾
فَلَوْلَا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ
1 ـ إيَّاكم والفسادَ والأرض :
لولا أداة حضّ، أيْ حبَّذَا، لو كان فيكم أيُّها الناس أُناسٌ يأمرون بالمعروف وينْهَوْن عن المنكر، ينهون عن الفساد في الأرض
(( أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللهِ . قال : إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ . لا أقولُ : إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ ))
أن تُفْسِدَ العلاقة فيما بينك وبين الله بالمعاصي، وأن تُفسِد العلاقة فيما بينك وبين الناس بالإساءة، وأن تُفسِد العلاقة فيما بينك وبين عقلك بالتَّعطيش، وأن تُفسِد العلاقة فيما بينك وبين نفسك بالظُّلْم، هذه العلاقات إذا فسَدَت لم يبْقَ للحياة معنى، وتبقى الحياة حياةً حيَوانِيَّة طعامٌ وشراب، ثمَ موتٌ زُؤام، ولكنَّ العلاقات إذا صلحَت، إذا صَلَحَت علاقتك بالله عز وجل، سَعِدْتَ بالقُرْب منه، وإذا صلحَتْ علاقتك بالناس سَعِدْتَ بهم وسَعِدوا بك، وإذا صَلَحتْ علاقتك بِزَوجتك سَعِدتَ بها وسَعِدت بك، إذا صلحَت علاقتك بأولادك هَدَيْتَهم إلى طريق الحق،
2 ـ النهي عن الفساد يُبعِد عقاب الله :
3 ـ الناهون عن الفساد في الأرض قليلون :
معنى القرون يعني الأُمَم، وليس معنى هذا أنَ ليس في الأرض أُناسٌ يَدعون إلى المعروف ويَنْهون عن المنكر، ولكنَّهم قِلَّةٌ، وعددهم لا يكفي
4 ـ الظالم يتبع ترف الدنيا ومتاعها :
ما أُتْرِفوا فيه بِمَعنى أنَّ هذه الدنيا التي ملكَت قلوبهم، غرِقوا في نعيمها واتَّبعوها، وجعلوها هادِياً لهم، وجعلوها إماماً وقبْلةً، في كلمة اتَّبعوها معنىً دقيق
همُّه الأوَّل والأخير بيْتٌ فخْم، وزوْجةٌ جميلة، وسيَّارةٌ كبيرة، ودَخْلٌ غير محدود وبيتٌ في مكانٍ جميل، منتزهٌ في الصَّيْف، وأنْ يعْلُوَ في نظر الناس ويتيه عليهم
﴿
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) ﴾
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ
علاقة هذه الآية بالسِّياق العام :
علاقة هذه الآية بالسِّياق العام أنَّ أيَّةَ أمَّةٍ ما دام فيها مُصْلحون، ودُعاةٌ إلى الله عز وجل مخلصون، وما دام فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ما دام فيها من يمْنعُ الفساد في الأرض، وما داموا كذلك فالله سبحانه وتعالى لن يُهْلكها، أما إذا فعَلَ الناس المعاصي، وغرقوا في الشَهوات، واسْتَحَلُّوا الحرام، وأكل القويّ منهم الضَّعيف، ولم يوجد فيهم من يأمر بالمعروف، ولا من ينهى عن المنكر عمَّهم الله بالبَلاء
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) ﴾
طرحتُ في الدرس الماضي حول هذه الآية مجموعةً من الأسئلة
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118)إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ﴾
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ
1 ـ معنى الآية :
أوَّلاً: في بعض التفاسير قال المفسِّر: لو شاء الله لجَمَعَ الناس على الهُدَى، وكانوا أُمّة واحدة مهْتَدِيَة، ولكنَه لم يشأ! من دون تعليق أو شرْح أو إضافة، لو شاء لجَمَعهم على الهدى ولكنَّه لم يشأ.
وبعض المفسِّرين وجدوا أنَّ هذه الآية تُشير إشارةً واضِحَة إلى أخْطر شيءٍ يمْلكُه الإنسان ألا وهو الاختيار.
الإنسان له حرية الاختيار :
مثلاً: لو شاءَت إدارة الجامعة أن تطرَح على ألف طالب في كُليّة أسئلة مرفقةً بأوراق عليها الأجوبة! ولا يُكَلَّف الطالب إلا كتابة اسمه!! جُمِعَت هذه الأوراق، وصُحِّحَتْ فنالَتْ كلّها علامةً تامَّة، لو شاءَت الجامعة أن تجعل الطُّلاب جميعاً يُحْرِزون علامة المائة لفعَلَتْ، والقضيَّة سهلةٌ جداً، تطرح مع السؤال الإجابة الكاملة، فهل تؤدِّي الجامعة بهذه الطريقة رِسالتها؟! لا، ليْسَت العِبْرة في توحّد النتائج، ولكنَّ العبرة في تطابق المقدِّمات مع النتائِج، هناك بالجامعة مرتبة مقبول، وهناك جيّد، وهناك جيِّد جدّاً، وهناك امْتِياز، وهناك شرَف، وهناك الراسب، فالعظمة في تطابق المقدِّمات مع النتائِج، هؤلاء الطلاب مختارون، بعضهم يدرس، وبعضهم لا يدرس، بعضهم يؤثر أن يُمضي عامه الدِراسي في النزهات والحفلات وأصحاب السوء، وبعضهم يقبعُ في غرفته، ويُطالعُ كتابه إلى أن يفْهمهُ، فإذا دخَل في الامتحان تفوَّقَ فيه، لأنَّ الطُّلاب مختارون، وكلّ طالبٍ جامعي مُخَيَّرٌ في الدِّراسة أو عدمها جاءَتْ النتائج متفاوِتَة، فالذي اختار الدِّراسة الجيِّدة نال علامةً جيِّدة، والذي اختار أن ينْجحَ مقبولاً نال هذه الدَرجة، والذي اختار عدم الدِّراسة رسَبَ، فالاختلاف يعني الاختيار، لولا أنَ هؤلاء العباد مختارون لما اختلفوا، أما أنَّ الله سبحانه وتعالى لو شاء لسَلَبَهُم الاختيار فكانوا جميعاً في مستوى واحد، حينما يأخذ نجَّارٌ كبير تعهّداً بِصُنْع ألف طاولة، يشتري الخشب ويقطِّعه لِيَجْعلهُ طاولات، هل تمْتنِعُ إحدى قطَع الخشَب أن تكون طاوِلَة؟ هذه مادَّة والمادَّة لا خِيار لها، لذلك تأتي كلّ الطاولات متشابهة هذا يظهر في المعامل، إنتاج المعامل كلّه متشابه، فلو أنَّ الله سبحانه وتعالى سلَبَنَا حرِية الاختيار لما اختلفنا، هُناك مؤمنٌ وكافرٌ ومنافقٌ وفاجرٌ، وملحدٌ وعاصٍ، ومذنبٌ، وآخر محْسنٌ ومسيء، وهذا يُحب أن يكون عالماً، وهذا يحبّ أن يكون تاجراً، هذا يحبّ أن يكون ضابطاً وهذا يحبّ أن يكون صانعاً، وهذا يحبّ أن يكون محْسناً، وهناك من يحب أن يؤذي الناس
2 ـ هذه الآية أصلٌ في حريَّة الاختيار :
هذه الآية أصلٌ في حريَّة الاختيار، لولا أنّ الناس مختارون لما اختلفوا، كيف أنَّ المواد التي تدخل المعْمل تخرج على هَيْئةٍ واحدة، وعلى شَكلٍ واحد، ولا فرْق بين قِطعةٍ وأُخرى، لأنَّ الحديد والخشب ليس لهُ حُريّة الاختيار، أما الإنسان فمُختارٌ
﴿
كلّ هذا العِلم، وكلّ هذا الحِلْم، وكلّ هذا الخُلق العظيم، إنَك لا تهدي مَن أحْببْت، ولكنَّ الله يهْدي من يشاء، يعود فاعل يشاء على العِباد، فمن شاء الهُدَى يهْتدي، ومن شاء الضلالة يصبح ضالاً.
﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) ﴾
أيْ ألْهَمَها أنَّ هذا طريق الحق، وأنّ هذا طريق الفُجور
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3) ﴾
لو سَلَبَ الله سبحانه وتعالى حريَّة الاختيار لما كانت هناك جنَّةٌ أو نار، ولسقَطَ الوعد والوعيد، ولسَقَط الثَّواب، ولا فضْل للطائِع، ولا إثم على العاصي، لأنَّ الاختِيار قد سُلِبَ ولا مسؤوليَة ولا تَبِعَة، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى وهَبَنَا شيئاً لا يُقدَّر بِثَمن، وهبنا حُريَّة الاختِيار، ولكنَّ هذه الهِبَة العظيمة يُقابلها أنّنا نتحمَّل تَبِعَة الاختيار، وهبَنَا حُرِيَة الاختيار، وجعلنا نتحمَّل تَبِعَة الاختيار، هنا المشكلة! وهذه بِتِلْك، فهذه المغانم بِتِلك المغارم
3 ـ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً
على شاكلةٍ واحدة، وعلى طَبْعٍ واحد، وعلى مَيْلٍ واحِدٍ، وعلى هُدىً واحِد، ولكنَّه لو فعَلَ هذا، وجعلهم أمَة واحدة، وسلبَهُم حُرِيَّة الاختيار، وجعلها كالبِضاعة على شكلٍ واحد، لفَقَدَتْ هذه الأُمَّة سعادتها، والإنسان يسْعَد بِعَملٍ طيِّبٍ فَعَلَهُ مُختاراً، فإذا فَعَلَهُ قهراً، أو إكْراهاً عندئذٍ لا يسْعَدُ، ولا فضْلَ له ويمتلئُ غَيظاً، وضيقاً
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ
الله خلَق الخلق ليرحمهم :
إلا أُناساً تطابَقَ اختيارهم مع الهدف من خلْقِهم، فَرَحِمهم الله سبحانه وتعالى، وسَعِدوا بهذه الرَّحمة، تطابق اختيارهم مع الهدف من خلْقِهم فرحمهم، وتجلَّى عليهم فسعدوا بهذا التجّلي
إذاً:
خلقهم ليُسعدهم، أعطاهم حُرية الاختيار، فإذا اختاروا ما خلقهم الله له رحمهم الله عز وجل، و حقَّقوا الهدف من خلقهم، و إذا اختاروا خلاف ما أراد الله لهم
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
1 ـ الإنس والجن مكلَّفون :
لماذا من الجِنّة والناس؟ لأن الله سبحانه وتعالى عرض على صِنف الجن والإنس الأمانة
﴿
﴿
الإنس والجن مخاطَبون بحمل الأمانة لذلك:
2 ـ كلمة الله قانون نافذ :
الكلمة القانون، أي أن الله سبحانه و تعالى قوله الحق، و قوله مبدأ، فتمَّت كلمةُ الله أن يدفع كلُّ مَن أخذ حرية الاختيار تبعَةَ اختياره، أي أن هذه الميِّزة بتلك المسؤولية
﴿
وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ
القصص القرآنية لتثبيت قلب الإنسان :
هذه القصص تُثَبِّت، لذلك الإنسان قد يهتدي بآيةٍ كَوْنِيَة، وقد يهْتدي بآيةٍ قرآنيَّة، وقد يهتدي بِقِصَّة يسْمعها
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(11) ﴾
﴿
﴿
تتبَّع حياة المستقيم، اُنْظر إلى حياته، اُنظر إلى سعادته وطمأنينتِهِ اُنْظر إلى اسْتِقراره، اُنْظر إلى ثقَتِهِ بالله عز وجل، وانْظر إلى غير المستقيم وإلى قلقه، وإلى فُجوره وخوفِهِ وإلى ضَياعِهِ، وإلى شَقائِهِ
وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ
1 ـ إياكم والقصص التي تثبط العزائم :
الإنسان أحياناً لا يروي قِصَّة تُثَبِّتُ العزائِم، لا يرْوي قِصَّة فَحْواها ظلمٌ، هذه القصَّة غير صحيحة، لأنّ هذا الذي تظنّه قد ظُلِمَ لابُدّ من حِكمةٍ بالغةٍ ساقَت له هذا الظُّلْم، فإذا روَيْتَ قِصَّةً من دون تَمحيص، ومن دون تدقيق، ومن دون اسْتيعاب، ومن دون إحاطة ماذا فعلْت؟ أعطَيْتَ للناس درساً على شَكل قِصَّة.
إذا اسْتقَمْتَ على أمر الله فحْوى هذه القِصَّة، سوف تموت من جوعك، إن لم تفْسُد مع الناس لا تعيشُ معهم، هذه قِصَّةٌ خطيرة، يُقابلها إذا روَيْتَ قِصَّةً أنَ الذي أطاع الله عز وجل أطاعه كلّ شيء، وأنَّ الذي آثر ما عند الله أكْرمه الله بالدُّنيا والآخرة، مثل هذه القصص ترْفعُ مَعْنوِيَات الإنسان، وكفى بالمرء إثماً أن يُحَدِّث بكُلّ ما سَمِع، أحياناً تجلس بِمَجلس، وتقول: فلان الفلاني أخلاقه عالية، وإيمان وتقوى، وصلاح وورَع واسْتِقامة جاءتْهُ قصّة تُحَيّر العُقول، القِصَّة ما مغْزاها؟ أنت أسْبَغْتَ عليه صِفات مُبالغ بها، جمعت التقوى إلى الورع إلى الحِلم إلى الاستقامة و قد ظُلِمَ ظلماً شديداً! فلا بُدّ من حِكمةٍ إلهيّةٍ عظيمةٍ بليغةٍ جَعَلَتْ هذه المصيبة تَصِلُ إليه، لعلّ هذه المصيبة ردْعٌ أو قصْمٌ، لعلّها دَفْعٌ أو رفْعٌ أو كَشْفٌ، هذه أنواع المصائب، هناك مُصيبة قَصْمِ، الإنسان شرّه مستطير.
2 ـ القصص القرآني تثبيت لقلب المؤمن المبتلَى :
كلَّما عاشَ يوماً ارْتَكَبَ أعمالاً فظيعةً، هذا ربّنا سبحانه وتعالى قد يسوق له مُصيبةَ قَصمٍ وينتهي، وهناك مُصيبة ردْعٍ، فقد ينْحرف الإنسان فتأتيه مُصيبة لا يستطيعُ تَحَملها، وهذا من أجل أن يُقْلِعَ عن هذه المعْصِيَة نِهائيّاً فهذه مُصيبة ردْعٍ، وقد يكون مستقيماً، ولكنَّه مقصِّر فتأتيه مُصيبة دَفْعٍ إلى الأمام، وقد يكون مستقيماً وليس مقصِّراً، ولكن بإمكانه أن يرقى إلى مرتبةٍ علِيَّة، فيبْتَليهِ ببَعْض المصائب فإذا صبَرَ عليها ارْتقى، وهذه للصِّديقين، وأما الأنبياء فمصائِبُهم من نوْع الكَشْف، لا تُكْشفُ حقيقتهم، ولا يبْدو ما يَنْطَوُون عليه من كمالٍ رفيع إلا بِبَعْض الظُّروف الحَرجَة، لذلك
(( أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعُودُهُ فِي نِسَاءٍ، فَإِذَا سِقَاءٌ مُعَلَّقٌ نَحْوَهُ يَقْطُرُ مَاؤُهُ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَجِدُ مِنْ حَرِّ الْحُمَّى، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ دَعَوْتَ اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ))
فالقِصَّة خطيرة جداً، إن كانت القصة غير مَدروسة وسَمِعتها ونقَلْتها لا تنسى هذا الحديث الشريف
(( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ))
أحياناً يقرأ الواحد قِصَّة بِمَجَلَّة، أحدهم ذهب عند بيتِ صديقه فَوَجَدَهُ مَقْتولاً، فخَرَجَ مذْعوراً، والجار الذي يسْكن اتِّجاهَ هذا البيت يعْمَلُ في سِلْك الشُّرْطة، فرآهُ خارجاً مذْعوراً، ألقى القبض عليه، دخل إلى البيت فَوَجَدَ إنساناً مَقْتولاً! فساقَهُ إلى السِّجْن وحُوكِمَ، وحكمَتْ عليه المحْكمة بِعِشْرين أو ثلاثين عاماً سِجْنًا!! تقول: سبحان الله!! هذا بريء، لو سألتَ هذا الذي حُكِمَ عليه خطأً، أَفَعَلْتَ في زمانك شيئاً تسْتحقّ عليه الحُكم القاسي؟! يقول: إي وربِّي، فالقِصَّة إذا رَوَيْتَها من دون أن تعلمَ خَلْفِيَّتَها وملابساتها وفُصولها كلّها، تكون كمن أضلل الناس، فالقِصَّة إما أن تهديهم بها، وإما أن تضِلَّهم بها، لا تروي قِصَّةً لا تعرف كلّ فُصولها، لا ترْوي قِصَّةً لا تعرف حِكمة الله منها، لا ترْوِي قِصَّةً يبْدو لك مِن أحداثها أنَّ منطقها مُخالفٌ لِما جاء به القرآن، قلْ: لا أعْلم، أما إذا كان عندك قِصَّة تثْبتُ آيةً
﴿
إن كان عندك قصَّة تؤكِّد هذه الآية، اروِها، وإن كان عندك قصَّة تؤكِّد
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) ﴾
احذروا مخالفة الشرع :
حدَّثني اليوم إنسان، وقال: لي أخٌ غير منضَبِطٌ بِقَواعِدِ الدِّين، فكان يزور أصدِقاءهُ، ويطلب إليهم أن تكون هذه السَّهرة مختَلِطَة، فإذا زاروهُ في بيتِهِ أمرَ زوْجته أن تبْرُزَ إليهم، الشيء الذي حصَلَ أنَّ أحدَ أصْدِقائِهِ أُعْجِبَ بِزَوْجَتِهِ، ونشأَتْ علاقة بينهما غير مَشْروعة، انْتَهَتْ إلى الطَّلاق وضَياع أربعة أولاد!! هذا هو جزاء المخالفة، فهذه القِصَّة تُرْوَى لأنَّها تؤكِّد أنَّ هذا الشَّرْع من عند الله تعالى، وأنّ كلّ من خالفهُ دفَعَ الثَّمَن باهِظاً في حياته، وكاد قلبهُ يحْترِق، وكاد قلبهُ يُصْعَق من هذه الزَّوجة الخائنة، فهو جاهل، ولكن حينما سمَح لِنَفسِهِ أن يزور أصدِقاءهُ على شَكل اختِلاط، وحينما زارهُ أصْدِقاءهُ، وأمر زوجته أن تبْرُزَ إليهم كان ما كان!!
3 ـ القصة أداة خطيرة :
لذلك القِصَّة أداةٌ خطيرة، إما أن تُهدِم بها الحق، وإما أن تبْنِيَ بها الحق، فَقصَّة لست متأكد منها و لا تعرف ملابساتها، لا ترْوِها، قل: الله أعلم، ولله حِكمةٌ بالغة، أحياناً تجد الناس مُغْرَمون بأن يُظْهروا لك شخْصاً مستقيماً استقامةً تامَّة، وطاهراً، وإذا بِمُصيبةٌ تأتيه فوق تَحَمّله ! ويقْصِدون أنَّه لا إله يعينه! الله عز وجل هو الحقّ، وهذه القصَّة خِلاف الحقّ، من أسماء الله تعالى أنَّه حق وعادل، فلذلك ربّنا عز وجل قال:
﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) ﴾
وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ
1 ـ أعمال الإنسان تجسِّد مكانته عند الله :
كلّ إنسان له مكانة عند الله، أعماله تجْسيد لها، وتنفيذ لها، وتَحقيق لها، فالمؤمن أعماله كلّها تؤكِّدُ إيمانه، اسْتِقامته ونزاهته، وإخلاصه وأمانته، وحبّه للخير، وبذْلُهُ وتَضْحِيَتُه، هذه مكانتهُ، وهذا حالهُ، حالُ العبْد المتواضِع وحال العَبْد المفْتَقِر، وحال العبْد المُحِبِّ لله عز وجل، أعماله تؤكِد أحواله، وأعماله وَجهٌ آخر لأحواله، أحواله وجه، وأعماله وجه آخر، والكافر أعماله كلّها تؤكِّد دناءتَهُ، تؤكِدُ أنانيَّتَهُ، وتؤكّد جهْلهُ وتؤكِّد حبَّه لِذاتِه، أعماله تجسِّد انْحِرافهُ النَّفسي
2 ـ ليس للمنحرف مكانة رفيعة عند الله :
أنتم لن تستطيعوا أن تفعلوا إلا شيئاً يُجَسِّد نفْسِيَّتكم، فالكافر لن يستطيع أن يكون مخلصاً ولا طاهراً، ولا مُنصِفاً، لأنَّ مكانته الانحراف، وبُعْدُه عن الله سبحانه وتعالى جَعَلَ مكانتهُ عند الله منحرفة، وأعماله تَجسيدٌ لانْحِرافه النّفسي
ونحن أيُّها المؤمنون نعملُ على مكانتنا، ولم يخْرجَ مِنَّا إلا الخير، ولن نتعاملَ مع الناس إلا بالحقّ، ولن نأخذ شيئاً ليس لنا، ولن نسْتَعْلِيَ على خلق الله، ولن نبْنِيَ مَجْدنا على أنقاض الآخرين، ولن نفعلَ شيئاً يُغْضِبُ الله عز وجل،
﴿ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ(122) ﴾
وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ
1 ـ ماذا تنتظرون ؟
أنتم ماذا تنتظرون؟ ماذا ينتظر أحدكم من الدُّنيا؟ هؤلاء المعرضون ماذا ينتظرون؟ غِنىً مُطغِياً أو فقْراً مُنسِياً، أو مرضاً مُفْسِداً، أو هرماً مُفنِّداً، أو موتاً مُجْهِزاً، أو الدَّجال فَشَرُّ غائبٍ يُنْتَظر، أو الساعة والساعة أدْهى وأمرّ!! ماذا ينتظر المؤمنون؟ توفيق الله، ورِضْوان الله سبحانه وتعالى، والتَّقَلّب في رحمة الله، والطمأنينة، والرِّضا، والسعادة، الحُبّ، والإكرام
2 ـ كلّ إنسان ينتظر نتيجة عمله :
إذا طمح طالب أن يكون الأوَّل على القطر، قدَّم الامتحان، وطالب كَسول قدَّم الامتحان، بين انتِهاء الامتحان وإعلان النتائِج هناك فاصِل زمني، ثلاثون يوماً مثلاً، هذا ينتظر وهذا ينتظر، هذا ينتظر نبأ إحراز الدَّرجة الأولى، واسْتَحَقَّ تَكريم الحكومة، وذاك ينتظر الرُّسوب واشْمِئزاز الناس منه
﴿
فيا أيّها المؤمنون انْتظروا الخير وكلّ الخير، في الدنيا والآخرة، و يا أيّها الذين عَصَوا ربَّهم لا تنتظروا - إن أصْررْتُم على المعصِيَة - إلا كلّ خبرٍ مؤْلِم، وكلّ خبرٍ سيئ، غِنىً مُطغِياً أو فقْراً مُنسِياً، أو مرضاً مُفْسِداً، أو هرماً مفنِّداً، أو موتاً مُجْهِزاً، أو الدَّجال فَشَرُّ غائبٍ يُنْتَظر، أو الساعة والساعة أدْهى وأمرّ!!
هنيئاً للمؤمن فهو ينتظر الخير، في كل مراحل الحياة، في الدنيا قبل الآخرة، والويل للكافر ينتظر المصيبة تلْو المصيبة
﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ۗ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ۗ
مِن مُصيبةٍ إلى أشدّ، من بلْوى إلى أُخرى، ومن ضيقٍ إلى خوف، ومن مرضٍ إلى فقْر وهذا العذاب الصُّعد.
﴿
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
ما سيكون غَيب، ما مضى فات، والمؤمَّل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها
وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ
1 ـ الأمور كلها بيد الله :
(( ما مِن عَثرةٍ، وَلا اختِلاجِ عِرقٍ، وَلا خَدشِ عودٍ، إلَّا بِما قَدَّمَت أَيديكُم، وَما يَعفواللهُ أكثرُ. ))
الأمر كلّه، أمْر زوجتك ومركبتك، وأمر مَن هُم فوقك، ومَن هُم دونك، وأمْر رِزقك، وأمر خوفك وسعادتك الأمر كلّه، يَنطوي تحت هذه الآية مليون بنْد! بل أكثر، آلةٌ فيها قطعة كُسِرَتْ، إليه يرجع الأمر كلّه، تعطَّلْت أسبوعَين،
﴿
﴿
2 ـ التوكل على الله وحده :
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ(79) ﴾
إذا أردْت أن تكون أقْوى الناس فَتَوَكَّل على الله، ولا يعرف حال المُتَوَكِّل إلا المُتَوَكَّل، فهو لا يخاف في الله لَوْمة لائِم، لأنّ الله تعالى معه
3 ـ الله لا يغفل عن عمل العباد جميعهم :
لا يغْفلُ عن عملك، قد تفْتَعِلُ شيئاً لِتَحقيق شَهْوةٍ، لا يغْفَلُ عن هذا العمل، وتفْتَعِلُ شيئاً لِترْوي شهوتك، فالله لا يغفل عنه، وقد تُسَبِّب الأذى لإنسان من دون أن تكون مسؤولاً، لا يغفل الله عنك، قد تفعلُ شيئاً ولا تُحاسب عليه في الدنيا، ولكنّ هذا الشيء سبَّب الأذى
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين